الفصل الأول:موضوع البحث وأهدافه:
أولا:إشكالية البحث:
1- الإحساس بالمشكلة :
لقد أسست السوسيولوجيا العامة (الماكروسوسيولوجيا) مناهج لرصد الاجتماعي وملاحظته و تفكيكه وإعادة بنائه ، على غرار العلوم الحقة ، لكن مع " دوركايم " سيصبح الإجتماعي ظاهرة ومن تم فالظاهرة الاجتماعية لها خصائص وأينما توفرت تلك الخصائص كانت اليد الطويلة للسوسيولوجيا حاضرة من أجل الفهم و التفسير و الرصد.
مقتضين بهذا المنهج داخل فضائنا الجامعي ، تدفعنا حاجتنا البيولوجية إلى اللجوء إلى بيت الراحة ، بحس سوسيولوجي : لاحظنا تكرار مجموعة من الكتابات تختلف من حيث الشكل والموضوع ، من هنا جاء الإحساس بمشكلة البحث ، لم تكن صياغة الإشكالية على شكل سؤال إنطلاق مؤجرءتا بشكل علمي في البداية ، لكن كانت مزيجا من رؤية يوجهها الحس المشترك الذي نعتبره دائما مغرورا ،وحاملا لهوى الجماعة .و ضيق رؤية و أفق .
دراستنا الإستطلاعية لميدان الدراسة الذي حددناه في مراحيض كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، حاولنا من خلالها حصر موضوع الدراسة في تيمة الجسد و السلوك الجنسي .وكانت الصياغة على شكل سؤال الانطلاق question de départ على الشكل التالي:
ما هو الدافع الذي يدفع الطالب إلى التعبير عن جسده والسلوكه الجنسي داخل فضاء المراحيض؟
2 – تحديد الإشكالية:
كل باحث في بدايته إذا لم تكن يقظته الإبستيمولوجية حاضرة ،معرض للغرور العلمي ، بحيث سيستصغر الظاهرة الإجتماعية ، ويكون بحثه معرضا للنقد والمعيارية ، والجاهزية من الأحكام . إن هذا الحذر و هذه اليقظة التي ينبغي للسوسيولوجي أن يتسلح بهما ، هما حذر ويقظة ليس على غرار المنهج الديكارتي المتصف بقواعد البداهة ، بل الحذر واليقظة اللتان ينبغي تهذيبهما دائما من طرف سوسيولوجية المنهج السوسيولوجي ، " فلم تعد الساعة ولا شك ، ساعة خطاب في المنهج..، ولقد أضحت القواعد العامة ، للمنهج الديكارتي ، قواعد بديهية منذ الآن، إنها تمثل كما يقال لياقة الفكر العلمي و تهذيبه.لن أسهب كثيرا في الحديث عن المنهج ، لأن الموضوع لا يتسع لذلك .
في تحديدنا لإشكالية البحث ،كانت يقظتنا الابستيمولوجية حاضرة وانطلاقا من إستطلاعاتنا المتكررة لميدان الدراسة قمنا بتحديد إشكالية البحث كالتالي:
ما هي الدوافع النفسية و الاجتماعية التي تدفع بالطالب إلى التعبير عن جسده و السلوكه الجنسي داخل فضاء المراحيض؟
ثانيا:موضوع البحث :
هو الكتابة داخل المراحيض، إن هذه الكتابة لا يمكن تحديد مصدرها بمعنى :من الطالب الذي يكتب داخل فضاء المراحيض ؟لكن يمكن تحديده تقريبا ، فهو إما طالب بالفصل الأول أو الثاني و الثالث أو الرابع أو الخامس أو السادس ، هو طالب يدرس بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالخصوص .
ثالثا:أهداف البحث:
أهداف نفسية: إن اعتمادنا في هذه الظاهرة على المقاربة السيكوسوسيولوجية هو معرفة الأسباب الإجتماعية و النفسية التي تدفع الطالب إلى التعبير عن جسده والسلوكه الجنسي داخل فضاء المراحيض.
أهداف سوسيوتربوية: إن معرفة الدوافع النفسية و الاجتماعية التي تدفع الفرد إلى الكتابة داخل فضاء المراحيض ، والتعبير عن جسده و سلوكه الجنسي ، سيمكننا من معرفة العلاقة بين الجامعة كفضاء لتلقين فكر الحداثة . وهل الجامعة فعلا فضاء حداثي فعلا أم أنها استمرار لمجتمع تقليدي يمتد فيه الطابو، على مستوى بنياته الاجتماعية ونسقه القيمي .
رابعا:أهمية البحث:
على المستوى النظري:
أكيد أن هناك اقتحام السوسيولوجيا لظاهرة الكتابة على الجدران .لكن هناك تناسي لظاهرة الكتابة داخل المراحيض ، ومن هنا يستمد هذا "البحث" أهميته على المستوى النظري ،بحيث إن غياب دراسات لظاهرة الكتابة في المراحيض له ميزتين:
إعطاء أهمية تأسيسية لسوسيولوجية الكتابة داخل المراحيض، واقتحام هذا الفضاء وتفكيكه ، وإعادة بنائه علميا من أجل الحد من الظاهرة .
صعوبة إيجاد أساس نظري للبحث وهنا تكمن حداقة الباحث السوسيولوجي بحيث إن قدرته على التركيب بين قضايا متباعدة وبين إطارات نظرية لا تحيل على ظاهرة الكتابة في المراحيض مباشرة ، ولكن تحمل أساسا نظريا يمكن إعادة بنائه في قالب جديد.
2-على المستوى التطبيقي:
من شان نتائج البحث إن أخذت بعين الاعتبار أن تعيد هيكلة الحقل التربوي بصريح العبارة . الفضاء الجامعي و طرحه لقضايا لازالت تعتبر طابو داخل فضاء كان من المفترض أن تكون له علاقة قطيعة مع المجتمع كنسق تقليدي .إن نتائج البحث ستفيدنا في إعادة طرح قضية الجسد و السلوك الجنسي من جديد للنقاش من أجل معرفة إلى أي حد لا زال هذا الموضوع من المسكوت عنه؟ إن طرح قضية الجسد و الجنس للنقاش من شأنه أن يحد من مجموعة من الظواهر التي لا تعبر في نهاية المطاف إلا على رغبة هذا الجسد في تكسير الأغلال ، لكن الضحية تكون دائما المجتمع ، الإغتصاب ، الشذوذ الجنسي ، الجريمة . وهنا يقول ميشيل فوكو ( فالمومس و الزبون و القواد من جهة وطبيب الأمراض العقلية و مريضة الهستيرية من جهة أخرى . هؤلاء "الفيكتوريون "الآخرون كما يقول ستيفان ماركيس. يبدو أنهم قد نلقوا خلسة المتعة إلى نظام الأشياء التي تحسب أما الكلمات و الحركات التي يسمح بها خفية ، فإنها كانت تتبادل في تلك الأماكن بسعر مرتفع جدا . هنا فقط كان يمكن للجنس المتوحش أ ن يتخذ أشكالا واقعية لكنها متجزرة " .
الفصل الثاني : على سبيل إطار نظري ( رؤية بسيكوسوسيولوجية):
أولا: تحديد المفاهيم:
1- مفهوم الجسد و السلوك الجنسي:
إن إنتاج لغة واصفة للجسد أمر لا يخلو من صعوبات نابعة أساسا من كونه مقولة صميمية، طي سجلات مجموعة من المجالات العلمية و الخطابية . فضلا عن انه الموضوع الذي تشتغل عليه من كون هذا الأخير و ترصد طبيعته و أبعاده انطلاقا من نظريات مختلفة ، وأجهزة مفاهيمة و إجرائية متباينة . فجسد التشريحيين يخالف جسد الفيزيولوجيين أو علماء الأحياء و الجسد كما تصوغه المؤسسة الطبية و العلمية يغاير صياغات مؤسسات أخرى سياسية أو إعلامية أو جمالية أو دينية أو رياضية ....
و كأن كل خطاب ينتج جسده ويمنحه تسمية و تقطيعا و بطاقة دلالية ، بحيث يغدو الجسد أجسادا مفهومية ، يحيل كل منها على حقل إيحائي معين أو شكلا فارغا تتناوب العلوم على ملء بياضه ، حسب شروط التداول الخاص والعام ، فتنتج معرفة أو معارف غير متجانسة ، تتوزع الجسد و تشذره إلى بقع ومناطق متنائية . إن رصد مختلف المقاربات التي تصدت للجسد بالتحليل و التفسير تبقى شيئا بعيد المنال حاليا ، سواء لضيق الوقت آو لخصوصية المنهج العلمي الذي يرفض الكليانية و يميل إلى التخصص ،.بل لابد من العودة إليها و استشكال صعوبتها و استشراف أبعادها.
في مقاربتنا السيكوسوسيولوجية للجسد والسلوك الجنسي والتي حصرناها في الجنس و السلوك الجنسي من منظور التحليل النفسي ( نموذج فرويد) و الجسد والسلوك الجنسي من منظور سوسيولوجي ( نموذج فاطمة المرنيسي و عبد الصمد الديالمي) و (فاطمة الزهراء ازرويل ) .باعتبارهم أهم السوسيولوجيين المغاربة الذين اهتموا بالجسد و السلوك الجنسي داخل المجتمع المغربي .
2- مفهوم الجسد اصطلاحا :
في لسان ابن منظور، يحدد الجسد (جسم الإنسان ولا يقال لغيره من الأجسام المغتدية ولا يقال لغير الإنسان جسد من خلق الأرض .)
يقول ابن منظور (الجسد جماعة البدن ) . وقيل هو العضو واللحم.
الجسد الجثة (الجثة شخص الإنسان قاعدا أو نائما ، وقيل جثة الإنسان شخصه متكئا أو مضطجعا) .
وفي مقام أخر يفيد اللسان أن الجثة هي الجسد الذي لا يعقل و لا يميز أي الجسد الميت.
أما في dictionnaire de philosophie يحدد الجسد في (كل الأشياء التي تحتل حيزا في المكان، وتتوفر على ثلاثة أبعاد ، الطول ، العرض، العمق، وهي أجسام تكون صنفا (catégorie) و الجسد واحد من عناصره، إلا أنه يختلف عنها بكونه صفة تختص بالإنسان ، وتمنع عن غيره من العناصر الأخرى للصنف).
و تحدد موسوعة لالالند الفلسفية الجسد بأنه(كل غرض مادي يكونه إدراكنا ، أي كل مجموعة نمثلها مستقرة ، مستقلة عنا وواقعة في المكان ، من خواصها الأساسية ، المدى الثلاثي الأبعاد و الكتلة.)
وفي المعجم الفلسفي لمراد وهبة، يحدد مصطلح جسد ب(لفظ الجسد ، مرادف في اللغة العربية للفظ الجسم).
والجسد عند الصوفية ، يطلق غالبا على الصورة المثالية .
ويعرف الجسد أنتروبولوجيا ب(طرائق المشي والأكل و الضحك و الإبتسامة و الطقوس المتعلقة بالحزن والموت و الإحتفال ، إلى غير ذلك من التعبيرات الإيمائية التي تشي بالهوية الإجتماعية أو الجغرافية أو المهنية أو الحضارية للجسد ، وهي تخضع هذا الأخير لإقتصاد حركي تواضعي ).
هكذا يحيل الجسد على مجموعة من الدلالات تختلف باختلاف السياقات: الثقافية و الإجتماعية التي ترد فيها ، فمفهوم الجسد في التعريف اللغوي لابن منظور يحيل على الجسد كجسم للإنسان و حقيقته وجثته (يعني جسده)اللاعاقل.أما في الدلالة الفلسفية فالجسد يحيل على ما يدركه الإنسان في أبعاده (الطول ، العرض، والمكان ، )وهو صفة الإنسان.